د. عماد الدين الزغول :- ضياع المعيار في الفرح والانتصار( كأس العرب أنموذجاً)

-مبارك للعرب وشكرا قطر-
حينما نتأمل في طبيعة الفرح الجماعي والانكسار العام المرتبطين ببعض الأحداث، نجد أن الإشكالية الكبرى لا تكمن في الحدث ذاته، بل في المعيار الذي نعتمده للحكم عليه. فالمعيار، حتى يكون صالحًا للتقييم والبناء عليه، لا بد أن يكون ثابتًا، واضحًا، مجمعًا عليه، وقابلًا للقياس. وأي معيار يفتقد هذه الشروط يتحول من أداة تقييم إلى أداة تضليل، ومن وسيلة وعي إلى سبب اضطراب.
انطلاقًا من هذا الفهم، لا يمكن اعتبار الفوز أو الخسارة في مباراة كرة قدم معيارًا ثابتًا وواضحًا ومتفقًا عليه لدى أصحاب العقول السليمة. فهذه النتيجة، التي يُبنى عليها فرح شعب كامل أو إحباطه، لا تقوم على أساس علمي أو موضوعي محايد. بل تتداخل فيها عوامل عديدة لا تخضع للضبط ولا للقياس الدقيق، وتجعل من النتيجة النهائية انعكاسًا لمجموعة احتمالات لا لحقيقة قاطعة.
فمن ناحية، يتدخل العامل النفسي للحكام، وهو عامل بشري بطبيعته، قد يتأثر بالضغط الجماهيري أو الإعلامي أو حتى اللحظة الانفعالية داخل المباراة. ومن ناحية أخرى، تمتد الشكوك –بحسب آراء كثير من المقيّمين المعتمدين في عالم كرة القدم– إلى شبهات الفساد المالي أو التدخلات غير الرياضية، وربما السياسية أحيانًا، في بطولات كبرى يُفترض أنها تحكمها النزاهة المطلقة. أضف إلى ذلك المفاجآت غير المحسوبة: ظروف جوية مفاجئة، إصابات صحية تطال لاعبين مفصليين، أخطاء فردية عارضة، أو حتى لحظات حظ عابر، وكلها عناصر كفيلة بقلب النتيجة رأسًا على عقب.
أمام هذا التعقيد، يبرز سؤال جوهري لا يجوز القفز عنه: هل يصح أن نراهن بالمزاج النفسي لشعب كامل على فوز أو خسارة في لعبة قائمة، في جوهرها، على أن الفائز واحد فقط؟ لعبة يكون الرقم فيها واحدًا وأولًا، وتنتهي بعده الأرقام، وكأن ما عداه لا قيمة له. كيف نقبل أن يتحول هذا “الواحد” إلى معيار للكرامة الوطنية، أو مؤشر للسعادة العامة، أو مقياس للنجاح والفشل الجمعي؟
إن الخطر الحقيقي لا يكمن في ممارسة الرياضة أو تشجيعها، بل في تحميلها ما لا تحتمل، وجعلها بديلاً عن معايير حقيقية للإنجاز والتقدم. هنا تصبح المسؤولية مضاعفة على العقول القائدة لمسيرة الشعوب، السياسية والثقافية والتربوية، بأن تعيد تصحيح المعيار، وأن تفصل بين الترفيه المشروع وبين بناء الوعي الجمعي.
كما أن على الإعلام دورًا أخلاقيًا لا يقل أهمية، يتمثل في حمل رسالة الحفاظ على المزاج النفسي للشعوب، لا العبث به. إعلام يفرّق بين الفرح العابر والانتصار الحقيقي، وبين الخسارة الرياضية والإخفاق الوطني. فالأمم لا تُقاس بمرمى دخل أو خرج، بل بقدرتها على إنتاج الإنسان، وترسيخ العدالة، وبناء المعرفة، وصون الكرامة.
حين يستقيم المعيار، يستقيم الفرح، ويصبح الانتصار فعل وعي لا انفعال لحظة.
مبارك لكل العرب ولروح الرياضة التي جمعت العرب على المشاركة والتكامل
مبارك لكل من حصد الانجاز
د عماد الدين زغول


















