ساعات على غُرة رجب ويبدأ العد التنازلي لشهر الخير والمغفرة

ساعات ويبدأ العد التنازلي لشهر الصوم والخير والمسارعة إلى المغفرة مع إعلان سماحة مفتي عام المملكة الدكتور أحمد الحسنات، بأن غدا الاثنين هو غرة شهر رجب للعام الهجري 1447.
ويحظى شهر رجب بمكانة فضلى حتى قبل الإسلام، فقد عظّمه عرب الجاهلية وحرموا فيه القتال الى أن جاء الإسلام ليؤكد تحريم القتال في أربعة أشهر ثلاثة منها متتالية هي ذو القعدة، ذو الحجة، ومحرم، وليظل رجب الذي زاده "الاسراء والمعراج" تشريفا، منفردا بين الأشهر الحرم.
وفي ظاهرة مميزة تعرف بالانزياح التراكمي للشهور الهجرية ولا تتكرر إلا كل ثلاثة عقود تقريبا، فقد شهد هذا العام غرتين لشهر رجب، الأولى في كانون الثاني الماضي، أي بداية العام، والثانية التي تحل غدا في الثاني والعشرين من كانون الأول كما يوضح رئيس الجمعية الفلكية الأردنية الدكتور عمار السكجي.
يقول السكجي، إن مرد تكرار تكرار شهر رجب في العام الحالي، ظاهرة فلكية مميزة تعرف بالانزياح التراكمي للشهور الهجرية، ورغم أن هذه الظاهرة قد تبدو غريبة، لكنها نتيجة حتمية لقوانين فلكية بسيطة تحكم حركة القمر واختلاف بنية التقويمين الهجري والميلادي، والفرق بين الدورة القمرية والدورة الميلادية هو الذي يؤدي إلى الانزياح الزمني بين التقويمين.
وبالعودة إلى فضائل شهر رجب، يشير الناطق الإعلامي لدائرة الإفتاء العام الدكتور أحمد الحراسيس، إلى أن النبي ﷺ كان يستقبل شهر رجب بالدعاء بالبركة، وقد روى الإمام أحمد في المسند وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه ان النبي إذا دخل رجب، قال "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبارك لنا في رمضان".
وأشار الحراسيس الى أن دائرة الإفتاء أصدرت عبر موقعها الإلكتروني توضيحا حول حكم الصيام في شهر رجب، حيث أكدت أن جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية، وبعض الحنابلة، يرون استحباب الصيام في هذا الشهر، كما يستحب صيام الأشهر الحرم الأخرى: محرم، وذو القعدة، وذو الحجة. لذا، من اعتاد صيام النوافل، وزاد من صيامه في رجب رجاء للثواب، فلا ينبغي لمذهب من مذاهب الفقهاء الأربعة المعتمدة أن ينكر عليه ذلك.
رئيس قسم التاريخ والحضارة في جامعة اليرموك الدكتور مهند الدعجة، عدّد فضائل شهر رجب، بقوله إنه أحد الأشهر القمرية التي حظيت بمكانة متميزة في الوعي الجمعي العربي قبل الإسلام وبعده، وجاء تأكيد حرمة شهر رجب ضمن المنظومة التشريعية الإسلامية التي ورثت وأقرت تحريم القتال في أربعة أشهر قمرية، وهي: رجب، ذو القعدة، ذو الحجة، والمحرم، وقد نقلت المصادر الإسلامية والإجماع عن أن رجب هو الشهر المنفرد بين هذه الأشهر، حيث تأتي الثلاثة الأخرى متتالية.
وأضاف: أن شهر رجب حمل أسماء عديدة تعكس مكانته: فرجب مضر: يرجع إلى قبيلة مضر، إحدى كبرى قبائل عدنان، والتي اشتهرت بالتمسك بتحريم القتال فيه وتعظيمه، على عكس قبيلة ربيعة التي كانت تجيز فيه القتال بحسب بعض الروايات التاريخية. وهذا يشير إلى تباين في الممارسات بين القبائل العربية في الجاهلية، ومن أسمائه أيضا (الأصم) وسمي بذلك، كما يذكر المؤرخون مثل ابن كثير في "البداية والنهاية"؛ لأنه لم يكن يُسمع فيه صوت قعقعة السلاح؛ احتراما لحرمته.
وأشار الدعجة إلى رحلة الإسراء والمعراج التي يرجح المؤرخون أنها في لبلة 27 من شهر رجب، إضافة إلى غزوة تبوك (رجب سنة 9 هـ / تشرين الأول 630 م)، والتي تعرف أيضا بـ "غزوة العسرة"، وهي آخر غزوات الرسول، إضافة الى تحرير بيت المقدس (27 رجب 583 هـ / 2 تشرين الأول1187 م) على يد صلاح الدين الأيوبي.
وأكد الدعجة، أن التقدير الصحيح لهذا الشهر لا يكون بالابتداع في الدين، بل يكون باستحضار دروسه: دروس السلام في الأشهر الحرم، ودروس التضحية كما في تبوك، ودروس النصر والتحرير كما في فتح صلاح الدين، والاستعداد الروحي لاستقبال شهر شعبان ورمضان.
وعن أهمية شهر رجب في التراث الأردني والثقافة المحلية، يقول الباحث نايف النوايسة، إن التراث الشعبي الأردني لم يغفل قيمة وفضل هذا الشهر، حيث ينتظره الأردنيون كضيف كريم يحمل معه من بركات الله ما يجعل الحياة سعيدة وكريمة، حيث يراقبون هلاله كما يراقبون هلال رمضان، ويفرحون به.
وأشار إلى أن الأردنيين يرفعون أكفهم في منتصف رجب بالضراعة للخالق، ويذبحون ويتصدقون، كما يفعلون مثل ذلك في ليلة الإسراء والمعراج.
وأكد أن التراث الأردني يحتفظ في ذاكرته لكبار السن من الرجال والنساء دور كبير في مثل هذا الاحتفال، فهم يضفون عليه صفة الوقار؛ ويحرصون على ألا تحمل الدعوات مضرة للناس كي يتقبلها الله، إضافة إلى حرصهم على اختيار أفضل الذبائح من الأغنام، وكانوا يقدمون الزيت لإشعال قناديل المسجد قبل وصول الكهرباء، ويكرمون الضيف لأنه من ضيوف شهر الله رجب الأصب.
وبحسب النوايسة، فإن الأردني يستبشر بقدوم هذا الشهر الفضيل، فإذا جاء يذهب إلى أرضه، ويحرثها ويبذر الحبوب، ويقينه (ابذر الحب وتوكل على الرب). كما يكثر من الصدقات وصلة الرحم، ويبحث عن الأيتام والأرامل ويتصدق عليهم، ويكثر من الدعاء وقراءة القرآن الكريم

















