ميناء مبارك الكبير... لماذا شركة صينية؟

إلهام لي تشاو
لم يكن توقيع الكويت اتفاقية مع شركات صينية لتنفيذ مشروع ميناء مبارك الكبير مجرد خطوة تقنية في مسار بناء ميناء جديد، بل كان قرارا سياسيا اقتصاديا محسوبا في توقيت شديد الحساسية. ففي عالم تتزايد فيه الاضطرابات الجيوسياسية، وتتعرض فيه الممرات البحرية لضغوط غير مسبوقة، يصبح اختيار الشريك في مشاريع البنية التحتية الكبرى رسالة بحد ذاته.
ميناء مبارك الكبير ليس مشروعا هامشيا في الاستراتيجية التنموية للكويت، بل هو ركيزة أساسية في إعادة تموضع البلاد داخل خريطة التجارة الإقليمية، ونقطة ارتكاز لربط الخليج بممرات برية وبحرية تمتد شمالا. لذلك، فإن السؤال الحقيقي ليس من يبني الميناء، بل من يمكن الوثوق به لإنجاز الميناء في الوقت والظرف المناسبين.
من هذا المنظور، جاء الخيار الصيني منسجما مع منطق عملي واضح. فالشركات الصينية أثبتت، عبر تجارب متراكمة في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، قدرتها على تنفيذ مشاريع بنية تحتية معقدة ضمن جداول زمنية واضحة وبمستوى عالٍ من الانضباط التنفيذي. هذه القدرة لا ترتبط فقط بالتكلفة، بل بما يمكن تسميته قابلية الإنجاز في بيئات تتسم بالمخاطر والتقلبات.
في المقابل، تعاني كثير من المشاريع المطروحة من أطراف أخرى من بطء التنفيذ، وتشابك الشروط، وتداخل الحسابات السياسية مع القرارات الاقتصادية. وفي زمن يسعى فيه صناع القرار في الخليج إلى تقليص المخاطر لا مضاعفتها، يصبح هذا النموذج أقل جاذبية، مهما حمل من شعارات أو وعود.
تأتي هذه الحسابات في ظل واقع إقليمي مضطرب، حيث أدت التوترات في البحر الأحمر إلى إعادة رسم مسارات الشحن ورفع تكاليف النقل والتأمين. ومع تراجع الثقة في استقرار بعض الممرات التقليدية، تتحول الموانئ من مشاريع تنموية إلى أدوات سيادة اقتصادية. بناء ميناء اليوم هو استثمار في القدرة على الصمود المستقبل.
أما الصين، فدورها في هذا السياق لا يمكن فصله عن مصالحها الاقتصادية العالمية. بوصفها أكبر دولة تجارية في العالم، فإن استقرار سلاسل الإمداد ليس خيارا سياسيا، بل ضرورة تنموية. ومن خلال المشاركة في بناء الموانئ، تطرح الصين نموذجا مختلفا للتعاون الدولي: نموذج لا يقوم على الاصطفاف، بل على المصالح المتبادلة والتنفيذ الملموس.
لهذا، يمكن القول إن قرار الكويت بالتعاون مع شركة صينية في ميناء مبارك الكبير لا يعكس انحيازا، بل يعكس فهماً واقعيا لطبيعة المرحلة. إنه اختيار مبني على سؤال بسيط: من يستطيع أن ينجز، لا من يكثر الكلام.
في عالم تتراجع فيه اليقين، أصبحت القدرة على التنفيذ شكلاً من أشكال القوة. وميناء مبارك الكبير يقدم مثالا واضحا على كيف تتحول البنية التحتية، حين تدار بعقلانية، إلى لغة مشتركة بين شركاء يبحثون عن الاستقرار وسط الفوضى.



















