ثبات الدخول وارتفاع كلف السفر وراء تراجع السياحة الصادرة

سجلت السياحة الصادرة للأردنيين خلال الأحد عشر شهرًا الماضية تراجعا ملحوظا، في مؤشر يعكس حجم الضغوط الاقتصادية المتراكمة على المواطن، وتراجع قدرته على تحمل كلف السفر الخارجي، في ظل ثبات الدخول وارتفاع أسعار الإقامة، وتذاكر الطيران في الوجهات التقليدية.
ووفق بيانات صادرة عن وزارة السياحة والآثار، انخفض عدد الأردنيين المغادرين خارج المملكة لغايات السياحة بنسبة 2.5 %، ليبلغ نحو 1.510 مليون مسافر خلال الأحد عشر شهرًا الماضية، مقارنة بـ1.549 مليون مسافر خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.
ارتفاع الكلف يضغط على قرار السفر
وعزا رئيس جمعية وكلاء السياحة والسفر محمود الخصاونة، هذا التراجع إلى الارتفاع الكبير في تكاليف السفر والإقامة منذ بداية العام الحالي، مؤكدًا أن هذه الزيادات حدت قدرة شريحة واسعة من الأردنيين على السفر الخارجي، خاصة إلى الوجهات التي كانت تعد تقليديا الأقل كلفة.
وأشار الخصاونة إلى أن تركيا، التي تعد الوجهة المفضلة للأردنيين، شهدت خلال الفترة الماضية ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار الإقامة والخدمات السياحية، ما انعكس مباشرة على أعداد السياحة الصادرة، وأخرجها تدريجيًا من دائرة الخيارات المتاحة للمواطن متوسط الدخل.
وبين أن ارتفاع أسعار الإقامة في فنادق المملكة العربية السعودية، لغايات أداء مناسك العمرة، كان له أثر مباشر أيضًا في تراجع أعداد الأردنيين المسافرين إلى الخارج، في ظل تضاعف الكلف مقارنة بالأعوام السابقة.
تذبذب شهري يعكس سلوكا حذرا
وأظهرت البيانات تباينًا شهريًا في أعداد المغادرين، حيث سجل شهر كانون الثاني (يناير) ارتفاعًا بنسبة 16.5 %، فيما حقق شهرا آذار (مارس) وتموز (يوليو) نسب ارتفاع محدودة، مقابل تراجعات لافتة في أشهر أخرى، أبرزها شهر حزيران (يونيو) الذي سجل أعلى نسبة انخفاض منذ بداية العام، بلغت نحو 29.8 % مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
ويعكس هذا التذبذب، بحسب عاملين في القطاع، حالة من الحذر في اتخاذ قرار السفر، في ظل ارتفاع النفقات المعيشية، وتزامن مواسم السفر مع التزامات مالية أخرى للأسر الأردنية.
إنفاق أعلى رغم انخفاض الأعداد
ورغم تراجع أعداد المسافرين، أظهرت البيانات ارتفاعًا في الإنفاق على السياحة في الخارج، إذ ارتفع خلال شهر تشرين الثاني من العام الحالي، بنسبة 11.4 % ليصل إلى 146.1 مليون دولار، فيما ارتفع إجمالي الإنفاق خلال الأحد عشر شهرا الأولى من العام ذاته، بنسبة 5.5 % ليبلغ نحو 1.887 مليار دولار.
ويشير هذا التباين بين عدد المسافرين وحجم الإنفاق إلى أن من يسافرون حاليًا ينتمون إلى شرائح قادرة على تحمّل الكلف المرتفعة، أو أن الرحلات باتت أقصر زمنًا لكنها أعلى كلفة، في ظل تضخم أسعار الخدمات السياحية عالميًا.
تركيا لم تعد الخيار للجميع
من جهته، قال صاحب شركة سياحة وسفر أشرف أبو عودة "إن تراجع أعداد الأردنيين المسافرين إلى الخارج يعود بشكل رئيس إلى ارتفاع تكاليف السفر، ولا سيما إلى تركيا، التي كانت تشكل الخيار الأول للمواطن الأردني".
وأكد أبو عودة أن ارتفاع أسعار الإقامة والخدمات السياحية في المدن التركية، وخاصة إسطنبول، جعلها خارج قدرة المواطن الباحث عن سياحة بتكاليف معقولة، مضيفًا أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن الأردني، ساهمت بشكل واضح في تقليص الطلب على السياحة الخارجية.
وأشار إلى أن الدوامين المدرسي والجامعي، إلى جانب تقليص فترات العطل بين الفصلين، شكلت عوامل إضافية حدت من إقبال الأردنيين على السفر.
ولفت أبو عودة، إلى أن تركيا ومصر، إضافة إلى أذربيجان وجورجيا، ما تزال من أكثر الدول طلبًا، إلا أن المواطن الأردني لم يجد في أذربيجان وجورجيا بديلًا مقنعًا عن تركيا، من حيث التجربة السياحية والقيمة مقابل السعر.
ثبات الدخل مقابل تضخم الكلف
بدوره، قال الخبير السياحي الدكتور نضال ملو العين إن السبب الرئيسي لتراجع السياحة الصادرة يتمثل في ثبات دخول المواطنين، في مقابل الارتفاع المستمر في تكاليف السفر والإقامة في الخارج.
وأكد ملو العين أن تركيا، التي كانت سابقًا ضمن الإمكانيات المالية للسائح الأردني، لم تعد كذلك، ما دفع العديد من المواطنين إلى إلغاء أو تأجيل رحلاتهم السياحية، مشيرًا إلى أن الدوام المدرسيي ساهم أيضًا في الحد من السفر الخارجي.
وبيّن أن ارتفاع تكاليف الإقامة في فنادق المملكة العربية السعودية لأداء مناسك العمرة، كان من بين العوامل المؤثرة في تراجع أعداد الأردنيين المسافرين خلال الفترة الماضية.
قطاع أمام اختبار التكيف
ويأتي هذا التراجع في وقت يضم فيه الأردن نحو 868 مكتبًا سياحيًا موزعة على مختلف المحافظات، وتوظف أكثر من 4.7 آلاف موظف، ما يضع القطاع أمام تحدي إعادة التكيف مع المتغيرات الاقتصادية، سواء عبر تنويع المنتجات، أو تعزيز السياحة الداخلية، أو البحث عن وجهات خارجية أقل كلفة تلائم القدرة الشرائية للمواطن الأردني.
















