+
أأ
-

خبراء: الثقافة الوقائية الغائبة تعمّق حوادث التدفئة المنزلية

{title}
بلكي الإخباري

- أجمع خبراء في الأمن والاجتماع والتربية والاقتصاد على أن تكرار الحوادث المنزلية المرتبطة بسوء استخدام وسائل التدفئة لا يعود إلى نقص الوعي بقدر ما يرتبط بعوامل سلوكية ومعيشية واقتصادية متشابكة.

وأكد الخبراء في تصريحات لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن الحد من هذه الحوادث يتطلب مقاربة وطنية شاملة تتجاوز التحذير الموسمي إلى بناء ثقافة وقائية مستدامة، وتعزيز الرقابة، وترسيخ المسؤولية الفردية والمؤسسية.

وقال مدير مديرية الإعلام الأمني والشرطة المجتمعية السابق العميد محمود الشياب، إن المشكلة لا تكمن في غياب الوعي، إذ تحافظ مديرية الأمن العام على تدفق مناسب من حملات التوعية والتحذير، وإنما ترتبط الوقاية بعوامل سلوكية ومعيشية متداخلة، مشيراً إلى أن المعرفة بالمخاطر لا تتحول دائماً إلى التزام عملي بالإرشادات.

وأوضح، أن كثيراً من المواطنين يدركون مخاطر استخدام المدافئ نظرياً، إلا أنهم يستهينون بها اعتماداً على تجارب سابقة لم تشهد حوادث، ما يولّد اعتقاداً خاطئاً بأن الخطر لن يقع، إلى جانب تأثير الظروف الاقتصادية التي تدفع بعض الأسر لاستخدام وسائل تدفئة منخفضة الكلفة وأحياناً غير آمنة، خاصة في المساكن الصغيرة أو سيئة التهوية، ما يزيد احتمالية تراكم الغازات السامة.

وأشار إلى أن رداءة بعض الأجهزة المتداولة في الأسواق، وغياب وسائل الإنذار المبكر، مثل كواشف أول أكسيد الكربون، تسهم في وقوع الحوادث دون إنذار، لا سيما أثناء النوم، إضافة إلى عوامل نفسية واجتماعية وسلوكية، كالإهمال أو تقليد ممارسات خاطئة مثل إغلاق المنازل بإحكام وتشغيل وسائل التدفئة لساعات طويلة دون تهوية.

وأكد الشياب، أن الحد من هذه الحوادث يتطلب مقاربة شاملة تشمل تعزيز الرقابة على وسائل التدفئة، وتوسيع استخدام أدوات الوقاية، وتطوير الرسائل الإعلامية لتكون أكثر تخصيصاً وارتباطاً بالواقع المعيشي، بما يحول المعرفة إلى سلوك يومي آمن.

من جانبه، أكد رئيس قسم علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتور إسماعيل الزيود، أن التوعية غالباً ما تُطرح في أوقات الأزمات وبعد وقوع الحوادث، في ظل غياب "العقل الجمعي" القائم على منظومة قيم وسلوكيات مشتركة، وغياب العمل المؤسسي القادر على بناء وعي مجتمعي استباقي.

وأوضح، أنه من مظاهر القصور غياب البرامج الإعلامية المتخصصة والمستمرة بقضايا السلامة العامة، حيث يقتصر تناولها غالباً على الطابع الموسمي أو التفاعلي بعد وقوع الحوادث، داعياً إلى اعتماد برامج إرشادية مخططة ضمن استراتيجيات طويلة الأمد لترسيخ السلوك الوقائي وجعله جزءاً من الحياة اليومية.

وبيّن، أن الإشكالية لا تكمن في إهمال المواطنين، بل في قصور دور الجهات الموجهة، وغياب الإرشاد المسبق والمنهجي الذي يزود الناس بالمعرفة السليمة والتنبيه والتحذير الصحيحين.

بدورها، قالت الدكتورة لبنى عكروش من قسم العمل الاجتماعي في الجامعة الأردنية، إن احتمال وجود خلل تصنيعي في بعض الأجهزة وارد، وتتحمل مسؤوليته الجهات المصنعة، إلا أن ذلك لا يلغي أهمية الوعي الأسري وتجنب الإهمال.

وأكدت، ضرورة أن يتحقق رب الأسرة من سلامة وجاهزية وسائل التدفئة قبل استخدامها، مشددة على أن الأب والأم يشكلان حجر الأساس في التوعية، وأن الانتباه لمؤشرات الخطر مثل تسرب الغاز أو ضعف التهوية يعد من أبجديات السلامة، بغض النظر عن مكان السكن.

من جهته، أكد عميد كلية العلوم التربوية في الجامعة الأردنية الأستاذ الدكتور محمد صايل، أن المؤسسات التعليمية تتحمل مسؤولية جوهرية في ترسيخ ثقافة السلامة والوقاية لدى الطلبة منذ المراحل المبكرة، موضحاً أن التعليم الحديث عملية شمولية لا تقتصر على نقل المعرفة، بل تهدف إلى إعداد فرد قادر على حماية نفسه والتفاعل الآمن مع محيطه.

وأشار إلى أهمية إدماج مفاهيم السلامة في الثقافة اليومية للطلبة، واعتماد أساليب تعليمية تشاركية، وتعزيز الشراكة بين المؤسسات التعليمية والجهات الوطنية المعنية، وعلى رأسها مديرية الأمن العام والدفاع المدني ومؤسسة المواصفات والمقاييس ووسائل الإعلام، لتوحيد الرسائل التوعوية وربط المعرفة النظرية بالواقع العملي.

ومن منظور اقتصادي، قال الكاتب الصحفي المتخصص بالشؤون الاقتصادية سلامة الدرعاوي إن الضغوط الاقتصادية وارتفاع مديونية الأفراد أسهما في تآكل الدخل المتاح للأسر، ما دفع بعضها إلى تقليص الإنفاق الوقائي المتعلق بالصحة والسلامة، أو اللجوء إلى بدائل أقل كلفة وأكثر خطورة