اللواء المتقاعد تامر المعايطة :- لماذا نحتاج إلى “السردية الأردنية”؟

اللواء المتقاعد د. تامر المعايطة
من بديهيات النظم السياسية للدول أن يكون لها إطار فكري وعقدي يحدد رؤيتها ورسالتها، ويُمكّن قياداتها السياسية والعسكرية والإدارية والاجتماعية من وضع الأهداف الاستراتيجية التي توجه مسيرة مؤسسات الدولة نحو تحقيق تلك الرؤية والرسالة.
مع دخول الدولة الأردنية مئويتها الثانية، أصبح من الضروري تجديد هذه الرؤية والرسالة من خلال إعادة بناء المستند الفكري والإطار العقدي للمستقبل. وأول خطوة في هذا الطريق هي إعادة صياغة السردية الوطنية بحيث يتبناها المجتمع ككل، وتكون لها القدرة على توجيه مسارات الدولة المستقبلية وضبطها نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية. وهذا يتطلب بالضرورة إعادة تقييم وتصحيح السردية الأردنية التاريخية.
تاريخياً، تعرضت السردية الأردنية لتشويه متعمد وتزييف ممنهج من قبل أنظمة سياسية إقليمية ودولية، باستخدام منصات إعلامية وأقلام كتاب ومفكرين كانوا – في أزمنتهم – الأعلى صوتاً، وإن لم يكونوا الأصدق قولاً. نتج عن ذلك أجيال أردنية لا تنظر إلى تاريخ دولتها بالتقدير الذي تستحقه، ولا تشعر بأنها جزء حيوي من التفاعل الوطني لبناء المستقبل.
لنأخذ مثالاً: عانى مجتمعنا قبل الثورة العربية الكبرى من التجهيل وغياب التنمية والتعليم لقرون طويلة، إذ انشغلت الدولة العثمانية بفتوحاتها في أوروبا وأهملت رعاياها في هذه المنطقة، حتى في أبسط حقوقهم كالتعليم. وعندما وقعت الخلافة في أيدي القوميين الأتراك، زاد الظلم على المجتمعات العربية، ومن إرهاصات ذلك ثورة الكرك (الهيّة) عام 1910. فكان من الشريف الحسين بن علي أن أطلق شرارة الثورة العربية الكبرى دفاعاً عن مصالح العرب في مواجهة انهيار الدولة العثمانية.
هذه الثورة هي التي أسست الأردن الحديث، الذي سبق دول الإقليم في معظم مجالات التنمية – التعليم والصحة والبنية التحتية – رغم الصعوبات والحروب وموجات الهجرة التي واجهها. لكن الأنظمة الشمولية التي سيطرت على بعض الدول العربية بعد انقلاباتها العسكرية سعت إلى طمس إنجازات الثورة العربية الكبرى في بلاد الشام، ووجهت سهام التشويه نحو الدولة الأردنية وقيادتها الهاشمية، خاصة بعد أن التف الأردنيون حول قيادتهم. بداية تلك الادعاءات الكاذبة أن الثورة قامت ضد الخلافة الإسلامية، متجاهلين أن الخلافة سقطت فعلياً بأيدي القوميين الأتراك الذين احتقروا العرب والإسلام معاً. وبعد النكبة والنكسة، سعت بعض الأنظمة إلى تحميل الأردن مسؤولية إخفاقاتها القومية والتاريخية للهروب من مسؤولياتها.
لذلك، ومع بداية المئوية الثانية، تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة صياغة السردية الأردنية لتصحيح هذه المغالطات التاريخية، وإبراز صدق المواقف الأردنية التي كشف الزمن زيف الكثير من الادعاءات ضدها. وما زالت محاولات التشويه تتكرر حتى اليوم، مهما تغير اللاعبون، فالأهداف تبقى ذاتها.
الدعوة التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ليست ترفاً فكرياً، بل مشروع وطني من الدرجة الأولى يجب أن يُدرك كافة أركان الدولة أهميته ويمنحوه الأولوية القصوى، لتحقيق الرؤى الملكية في بناء نموذج تنموي مفاهيمي حقيقي لمستقبل الدولة. ومن الضروري إشراك الشباب الأردني إلى جانب المؤسسات الوطنية في إعادة صياغة وبناء هذه السردية من داخل الوطن، فنحن الأحق والأقدر والأجدر بالحديث عن تاريخنا وصياغة مستقبلنا، ولا يجوز أن نترك لغيرنا تشويه ماضينا أو رسم آفاقنا.



















