حين تتحوّل التوجيهات الملكية إلى كرامة ملموسة....وطن لايخذل صبر أبنائه

د.ثروت المعاقبة
في مشهدٍ يتجاوز كل الحدود، ويغادر لغة البيانات الجافة إلى إنسانية الفعل، جاءت استضافة رئيس الديوان الملكي الهاشمي، يوسف حسن العيسوي، لأسرة أردنية من ذوي الإعاقة، تنفيذًا مباشرًا لتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني، لتعيد التأكيد على حقيقة راسخة أن الدولة القوية تُقاس بقدرتها على الوصول إلى الأكثر حاجة وضعف، لا إلى الأعلى صوتًا.
ثلاثة أشقاء، شابتان وشاب، يحملون في أجسادهم إعاقات، وفي أرواحهم صبرًا وإيمانا، وفي سلوكهم تعففًا يليق بالأردنيين الذين يواجهون القسوة دون أن يمدّوا أيديهم، ودون أن يبيعوا كرامتهم. أسرة تعيش ظروفًا معيشية قاسية، تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، لكنها لم تفتقر يومًا إلى الكبرياء، ولا إلى الإيمان بأن العدالة الاجتماعية في الأردن ليست شعارا مؤجلا بل واقعا ملموسا.
ما يلفت في هذه المبادرة ليس فقط الاستماع إلى المطالب، بل الطريقة التي تمّ بها الاستماع. فالديوان الملكي، بتوجيه مباشر من جلالة الملك، لم ينتظر شكوى مكتوبة ولا وساطة، بل بادر إلى فتح الأبواب، ليكون القرب من الناس سياسة، لا حالة استثنائية، وهذا هو الفارق بين دولة تدير الملفات، ودولة تحمل همّ الإنسان.
إن استقبال هذه الأسرة داخل الديوان الملكي الهاشمي يحمل دلالات عميقة؛ أولها أن ذوي الإعاقة ليسوا على هامش الاهتمام، بل في صلب الأولويات الوطنية، وثانيها أن الفقر المتعفف لا يُهمل، حتى وإن صمت أصحابه. وثالثها أن التوجيهات الملكية ليست مجرّد كلمات، بل مسار عمل يبدأ من القمة وينتهي عند أدق التفاصيل في حياة المواطن الأردني.
لقد جسّد هذا اللقاء فلسفة الحكم الهاشمي القائمة على الإنصاف، والعدالة، والتكافل، وهي فلسفة لا ترى في المسؤول منصبًا، بل أمانة، ولا ترى في المواطن رقمًا، بل قصة تستحق الإصغاء، فحين يجلس المسؤول ليستمع، لا ليتحدّث، يكون الوطن في الاتجاه الصحيح.
في بلدٍ يواجه تحديات اقتصادية وضغوطًا إقليمية، تظل مثل هذه المبادرات رسالة واضحة أن الإنسان الأردني، مهما اشتدت ظروفه، ليس منسيًا، وأن الدولة، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، لا تساوم على كرامة مواطنيها، ولا تترك أصحاب الحاجة وحدهم في مواجهة القدر.
إن قصة هذه الأسرة ليست حالة فردية، بل مرآة لآلاف القصص الصامتة، التي تحتاج من يطرق بابها قبل أن تنهار، وما قام به الديوان الملكي اليوم هو تذكير صريح بأن الدولة القريبة من شعبها لا تنتظر الأزمات لتتحرّك، بل تتحرّك لتمنعها.
هكذا تُبنى الثقة بين المواطن والدولة، وهكذا يُصان العقد الأخلاقي بين القيادة والشعب، وهكذا يبقى الأردن، رغم كل التحديات، وطنًا لا يتخلى عن أبنائه… ولا يخذل صبرهم وحاجتهم.
















