+
أأ
-

موسى الساكت يكتب :- بناء نظام جودة يحمي المواطن والمنتج الوطني

{title}
بلكي الإخباري

 

الصناعة الأردنية من القطاعات التي حققت سمعة طيبة خلال العقود الماضية، سواء على مستوى الجودة أو الالتزام بالمواصفات، وهو ما تؤكده قدرة العديد من المنتجات الوطنية على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية.

 

 

 إلا أن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أنه لا قاعدة بلا شواذ، ولا نظام بلا ثغرات، وهو أمر ينطبق على جميع دول العالم، بما فيها الدول الصناعية المتقدمة.

وشهدنا في الأردن حوادث مؤلمة كان ضحيتها مواطنون أبرياء، مثل حوادث صوبة “الشموسة” أو حالات التسمم المرتبطة بالكحول المغشوش، وهي أمثلة تؤكد أن الخلل لا يكون دائماً في الصناعة ككل، بل في ضعف الرقابة أو غيابها في بعض المراحل.

 هذه الحوادث لا تمسّ فقط سلامة المواطن، بل تضرب الثقة بالمنتج الوطني وتلحق أضراراً اقتصادية واجتماعية واسعة.

من هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى بناء وتفعيل نظام جودة ورقابة صارم تقوده وزارة الصناعة والتجارة، بالتعاون مع الجهات الرقابية الأخرى، بحيث لا يقتصر الدور على إصدار التعليمات، بل يمتد إلى المتابعة الميدانية، والفحص الدوري، والتدخل السريع عند ظهور أي خلل. فحماية حياة المواطن يجب أن تكون أولوية مطلقة، تتقدم على أي اعتبارات أخرى.

في الدول المتقدمة، تُعدّ أنظمة الجودة والرقابة جزءاً لا يتجزأ من منظومة الأمن الوطني. ففي ألمانيا، على سبيل المثال، تخضع المنتجات الصناعية والغذائية لسلسلة طويلة من الفحوصات قبل وصولها إلى المستهلك، وتُفرض غرامات قاسية وسحب فوري للمنتج في حال اكتشاف أي خطر محتمل.

 وفي الولايات المتحدة، تمتلك هيئات مثل إدارة الغذاء والدواء (FDA) صلاحيات واسعة لإيقاف المصانع أو سحب المنتجات من الأسواق دون تردد إذا ثبت تهديدها للصحة العامة.

 أما في اليابان، فثقافة الجودة متجذرة إلى حد أن الشركات تبادر طوعاً إلى سحب منتجاتها والاعتذار العلني عند حدوث أي خلل، مهما كان محدوداً.

الأردن ليس أقل قدرة من هذه الدول على بناء نظام رقابي فعّال، لكنه بحاجة إلى إرادة مؤسسية واضحة، وتحديث للتشريعات، وتوفير كوادر فنية مؤهلة، إضافة إلى استخدام التكنولوجيا في التتبع والفحص.

 كما أن الشراكة مع القطاع الخاص ضرورية، فالجودة ليست عبئاً على الصناعة، بل استثمار طويل الأمد يعزز الثقة ويقلل المخاطر.إن بناء نظام جودة يحمي المواطن هو مسؤولية وطنية مشتركة.

فالصناعة الأردنية قوية في أساسها، لكنها تحتاج إلى رقابة صارمة وعادلة تضمن سلامة المنتج، وتحفظ حياة المواطن، وتُبقي الثقة بالاقتصاد الوطني راسخة ومستدامة.