ربا عياش :- لعنة البدايات: كيف صاغ خذلان "العالم الجديد" مأساة حاضرنا؟

قبل قرون طويلة، حين خذل العالم السكان الأصليين لكثير من البلاد، وعلى رأسهم سكان القارة الأميركية، زُرعت البذرة الأولى لنظام عالمي جديد متوحش نعيش في كنفه اليوم، دفعنا..وندفع نحن اليوم وسندفع في المستقبل ثمنه الكامل.
لم يكن ذلك الخذلان حدثا عابرا، بل تأسيسا لعالم قرر منذ بداياته ألّا يعترف بمأساة الإنسان، وألّا يكترث لكرامته، أينما كان.
الإنسان الذي خُذل آنذاك، نُهش لاحقا، وها هو اليوم يُغمس عمدا في حمامات دم متواصلة.. تغمره أنهار الفساد وتسحقه عجلة اقتصادية لا ترى فيه سوى رقم. يعيش في دول بلا حدود أخلاقية واضحة ولا احترام حقيقي لإنسانيته وحقوقه
مكمّم الفم، مُصادر العقل، مُفرغ من صوته ومعناه.
نعود إلى لحظة تاريخية فارقة..
حين جرى “اكتشاف” أميركا.. طبعا ما سُمّي اكتشاف أميركا لم يكن سوى استعمار ... حيث استبيحت البلاد والثقافة والأرواح والأجساد واستوطنت، وبُني على ركام أهلها أخطبوط مرعب..
وعلى أنقاض الإبادات، والظلم، والسرقة، والتنكيل، شُيّد ما سُمّي لاحقا بـ“الحلم الأميركي”.. ذلك الكابوس الذي أضحى هدفا لشباب العالم، يركضون نحوه ويهرولون… لاحقا، لم يكتف العالم بصناعة نظام كهذا، بل طوّره ليُبيد البشر ويلاحقهم في كل مكان.. بطرق أكثر تعقيدا، أكثر إبداعا بالشر...وأقل وضوحا، وأكثر “تحضرا” في ظاهرها.
على أي حال.. التاريخ لا يرحم، ولا يُمح..
الماضي لا يموت، بل يعيش في حاضرنا، ومن هذا الحاضر يمكننا قراءة ملامح المستقبل.
إن الظلم تراكمي.. وما يحدث في شرق العالم يؤثر على غربه.. وما حدث منذ أزل الزمان ما زالت أشباحهه تنهش بنا إلى يومنا هذا ولم نتحرر أبدا..
لذا..
اليوم، على أنقاض هذا الشرق الأوسط، تولد إمبراطوريات جديدة
وغدا سيدفع أصحابه البلاد ثمنا باهظا بشكل أفظع..
ما يحدث اليوم يحدد تاريخ الغد..
و المأساة الكبرى تبقى أن حقّ كل من ظلم، وكل من سُحق، قد يذهب عبثا… تماما كما فعل العالم، ويفعل، مع قصص شعوب كثيرة قبله.
















