الصحفي عبدالله المجالي :- (أمطار الكرك لا تُدين الطقس… بل تُدين البنية التحتية والغياب الرسمي)

لم تكن أمطار الكرك التي هطلت خلال الساعات الماضية مجرد حالة جوية قاسية، بقدر ما كانت لحظة كاشفة لواقعٍ حاولت الإدارات المتعاقبة تجاهله طويلًا. فالمشهد الذي عاشته المحافظة، من طرق مغلقة، ومناطق معزولة، ومنازل داهمتها المياه، لم يكن نتاج المطر وحده، بل نتيجة خلل متراكم في التخطيط والاستعداد.
الهطولات الغزيرة حوّلت شوارع رئيسية وفرعية إلى مجارٍ للسيول، وأجبرت مركبات على التوقف، ومواطنين على انتظار النجدة لساعات. وفي محافظة ذات طبيعة جغرافية معروفة، يصبح السؤال مشروعًا: هل أُخذت هذه الخصوصية يومًا بجدية عند التخطيط للطرق وشبكات التصريف؟
الطرق أولًا… لأنها تكشف الحقيقة
الطرق في الكرك كانت أول ما انهار، لأنها المرآة الأكثر صدقًا للبنية التحتية.
عبّارات مائية غير قادرة على استيعاب التدفق، تصريف أمطار محدود، وصيانة موسمية لا تصمد أمام أول اختبار حقيقي. والنتيجة كانت شللًا جزئيًا للحركة، وعزلًا لمناطق سكنية، وتعطيلًا لحياة الناس وأعمالهم.
هذه المشاهد لا يمكن تصنيفها كـ«طارئة»، لأنها تتكرر مع كل شتاء تقريبًا، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول جدوى المعالجات السابقة، وإن كانت حلولًا فعلية أم مجرد ترحيل للأزمة.
منازل في مواجهة المياه… وحدها
داهمت مياه الأمطار عددًا من المنازل، وتضررت ممتلكات خاصة، واضطر مواطنون للتعامل مع الخطر بإمكاناتهم المحدودة، وسط شكاوى من تأخر الاستجابة في بعض المواقع.
ورغم الجهود التي بذلتها كوادر الدفاع المدني، إلا أن حجم الحدث كشف فجوة واضحة بين حجم الخطر وسرعة التنسيق والاستجابة الشاملة.
في الأزمات، لا تكفي الجهود الفردية، بل المطلوب إدارة ميدانية حاضرة، وقرار سريع، وتوزيع واضح للأدوار.
قلعة الكرك… حين يسقط التاريخ تحت ثقل الإهمال
الحدث الأخطر تمثل بتأثر أحد الأسوار الأثرية لقلعة الكرك، أحد أبرز معالم المملكة التاريخية.
انهيار جزء من السور نتيجة الأمطار لا يمكن التعامل معه كضرر عابر، بل كإشارة خطيرة إلى ضعف الإجراءات الوقائية لحماية المواقع الأثرية من المخاطر الطبيعية المتوقعة.
هنا لا نتحدث عن حجر فقط، بل عن ذاكرة وطنية كان يفترض أن تحظى بعناية استثنائية وخطط حماية دائمة.
في ذروة الأزمة، لم يكن المواطن يبحث عن تصريحات أو تبريرات، بل عن حضور مسؤول في الميدان.
غياب المشهد القيادي عن مواقع الحدث ترك أثرًا سلبيًا، ورسّخ شعورًا بأن إدارة الأزمات ما تزال تُمارس من خلف المكاتب، لا من قلب الميدان.
فالأزمات لا تُدار بالبيانات، بل بالوجود، والمتابعة، واتخاذ القرار في الوقت المناسب.
ما جرى في الكرك يجب أن يكون نقطة فاصلة لا محطة عابرة.
مراجعة شاملة باتت ضرورة، تشمل:
إعادة تقييم البنية التحتية وشبكات تصريف المياه.
تخطيط الطرق بما يتناسب مع الطبيعة الجغرافية.
جاهزية خطط الطوارئ وسرعة الاستجابة.
حماية المواقع الأثرية من المخاطر المناخية.
وتفعيل دور الإدارة المحلية ميدانيًا وقت الأزمات.
الخلاصة
أمطار الكرك لم تكن هي المشكلة.
المشكلة كانت في ما كشفته:
هشاشة في البنية التحتية، بطء في الاستجابة، وغياب في لحظة لا تحتمل الغياب.
ويبقى السؤال الذي لا يجوز القفز عنه:
هل ستكون هذه الأمطار بداية تصحيح حقيقي، أم مجرد كارثة أخرى تُطوى مع انحسار المياه؟
الصحفي عبدالله عبدالرحمن المجالي
















